التنميـــة الثقافية

د. مواهب الخطيبتتجمع دلالات التنمية اللغوية في الزيادة والوفرة والتكثير والنماء. أما اصطلاحا، فتعني التنمية تحقيق أحسن الظروف الإنسانية للفرد داخل المجتمع. ومن يتأمل دلالات مصطلح التنمية، فسيلاحظ أنه مفهوم اقتصادي محض، قبل أن يكون مفهوما سياسيا أو اجتماعيا أو فكريا أو ثقافيا. ومن هنا، كانت أهمية التفكير في مفهوم التنمية الثقافية بالصورة التي تمكننا من حصر دلالاته، لنتمكن من إدراك جيد لما تطلق عليه التنمية الثقافية ، يمكن في ضوئها وضع إستراتيجية تنموية لها صلاحية الاستمرارية، والتعبير عن احتياجات مجتمعنا العربي في إطار المتغيرات الدولية، وتجاوز مخلفات الانتكاس الفكري بسبب الغزوا الثقافي، واستبدالها بمعطيات جديدة."هذا، وقد اقترنت التنمية، في العقود الأولى من القرن العشرين بتطوير التعليم، وتأهيل البحث العلمي، والحصول على المعلومات والتكنولوجيا المعاصرة، ارتبطت الثقافية بالعولمة من جهة، وبالثورة الرقمية والتكنولوجية من جهة أخرى. وأصبح التنافس العلمي والتقني سيد الموقف، وأساس التنمية المستدامة، والدعامة الأساسية لتحريك الاقتصاد. بل أصبحت التنمية تمتاز بخاصيات التوازن والشمولية والدوام، من خلال الجمع بين الجوانب المادية والجوانب الثقافية.وعليه، فالتنمية هي آلية التطور والتقدم والازدهار، وتتخذ مستويات عدة، وتتجلى سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا. ومن ثم، تهدف التنمية إلى الرفع من المستوى المعيشي للإنسان ماديا ومعنويا وروحيا، بتوفير التعليم اللائق، والصحة الضرورية، والدخل المناسب، وإيجاد العمل الذي يتلاءم وقدرات ذلك الإنسان، ويتناسب مع كفاءاته المعرفية والمهارية، مع مراعاة حقوقه الطبيعية والمكتسبة. و" تمثل التنمية حركة النسق الاجتماعي، بما يحتويه من عوامل اقتصادية وغير اقتصادية بشكل واسع، إلى أعلى أو إلى أحسن، في إطار من العلاقات السببية الدائرية بين مختلف المتغيرات المخططة الداخلة في عملية التنمية.وكأن التنمية بذلك تعني عملية التغيير المقصود، والجهود المنظمة التي تبذل وفق تخطيط مرسوم، بقصد تحقيق مستويات أعلى للدخل ومستويات أفضل للمعيشة.ومن ثمة، تكون التنمية بمثابة إرادة مجتمعية تأخذ بالمجتمع في حالة التخلف إلى حالة من التحول التنموي على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.فالتنمية عملية متعددة الأغراض والجوانب، وتتضمن تغييرات في البناء والقدرة الناتجة عن تعبئة الموارد والإمكانات المتاحة." اهمية التنمية الثقافية واركانها:تبنى التنمية المستدامة على أربعة عناصر مهمة هي: الإنتاجية الإبداعية في مختلف الميادين والمجالات المادية والمعنوية والروحيةو التنمية الثقافية هي التي تعنى بالإنسان عقلا وجسدا وقلبا ومعتقدا وبيئة. بمعنى أنها الأساس في كل تنمية بشرية لتغيير المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات،وعليه فأن التنمية الثقافية المستدامة توسيع لقدرة الإنسان على بلوغ أقصى ما يمكن بلوغه من حيث هو فرد أو مجتمع ذو أفراد كثيرة، وذلك بزيادة إمكانياته متعددة الآفاق، لا اقتصادية فحسب."وتتجلى أهمية الثقافة في ارتباطها بالتعليم والإعلام والدين والأدب والفن، وتساهم هذه الآليات كلها في توعية المجتمع ذهنيا ووجدانيا وحركيا، وتطويره سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتحسين سلوك الأفراد تجاه ذواتهم وأسرهم ومجتمعهم ووطنهم وأمتهم وعالمهم الإنساني، وتغيير تصرفاتهم وممارساتهم وتطبيقاتهم العملية التي قد تؤثر سلبا على التنمية، مثل: تلويث البيئة، وتخريب الآثار، والتبذير الاستهلاكي المتعلق بالمأكل والمشرب والطاقة، والإنفاق المالي المبالغ فيه...وفي الوقت نفسه، قد تدفع الثقافة الأفراد إلى طلب العلم للحد من الأمية، والقضاء على كل تجلياتها، سواء أكانت أمية أبجدية، أم أمية إعلامية، أم أمية لغوية، أم أمية وظيفية، أم غيرها من الأميات السائدة في عالمنا اليوم. كما أن الثقافة سبيل للقضاء على الفقر والجوع والبطالة والجهل والخرافة والشعوذة والهدر المدرسي. وهي كذلك وسيلة للرفع من المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، وتحسين الدخل الفردي، والحصول على فرص الشغل المناسبة، وبناء الأسرة بناء مستقرا سعيدا.هذا، وتتضمن الثقافة – اليوم- مجموعة من الخصائص والسمات المميزة لمجتمع ما، سواء أكان ذلك على المستوى المادي أم على المستوى الروحاني أم على المستوى المعنوي. ويعني هذا أن الثقافة هي التي تميز مجتمعا عن مجتمع آخر. والآتي، أنها تشمل الفنون والآداب وحقوق الإنسان وأنظمة القيم والتقاليد والمعتقدات.