كلمة عميد كلية العلوم الاسلامية في حفل تخرج طلبة المرحلة الرابعة

أحبتِي الطلبةُ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أتذكرُ أنِّي وقفتُ بينَ أحبتِي خريجِي هذه الدفعةِ قبلَ أربعةِ سنواتٍ مضتْ، كانوا حينها في المرحلةِ الأولى من دراستِهِم الأوليةِ، وكنتُ اتشرفُ بتقديمِ إحدى الموادِ الدراسيةِ، حينها في المحاضرةِ الأولى رَحَّبتُ بِهم، وقلتُ لهُم كُونوا أحرارًا في دُنياكُم وفي تلقِيكُم الدرسَ، وفي محاكمةِ ما قيلَ وما يُقالُ من مقولاتٍ فكريةٍ وأراءَ علميةٍ، ولكي تكونُوا طلابَ علمٍ عليكُم أنْ لا تهَبُوا التقديسَ إلّا لِمن قدَّسَهُ اللهُ تعالى بدليلٍ نقليِّ أو عقليٍّ، وقلتُ لهُم أيضًا عليكُم أنْ ترتقُوا بأنفسِكُم فكرًا ونظامًا وسلوكًا ومنهجًا على أملِ أنْ أراكُم بعدَ أربعِ سنواتٍ، لأُكحِّلَ ناظري بكُم وانتُم ترتدُون قبعةَ التخرجِ، وأركزتُم اقدامَكُم على الصراطِ المستقيمِ، صراطِ شريعةِ الإسلامِ التي ستنهَلُون من معارِفِها، وتتناولُون من موائدِها، عِبر كليتكم، كليةِ العلومِ الإسلاميةِ في جامعةِ وارثِ الأنبياءِ، على أيدِي أساتذةٍ ذوي كفاءَةٍ وسياقاتٍ وأجواءٍ تربويةٍ وتعليميةٍ جادةٍ، تكادُ تكونُ مثاليةً لحدٍ ما، مقايسةً بكلياتِ وجامعاتٍ اُخرَ.

لم يكن قولِي هذا من المغالاةِ أو الإفراطِ في الادِّعاء، ولعلَّ ما لَمَسناهُ من نُضجٍ فكريٍّ وسلوكٍ سويٍّ للأعَمِّ الغالبِ من طلبةِ هذهِ الدفعةِ المباركةِ هو مصداقٌ لما ذكرنُه ووقَفتُ على حقيقتِه.

فيَا أحبَّتِي الطلبةُ:

أقولُ افرحُوا وتباهوا بجلبابِ التخرجِ وقبعتِه، وانهضوا فخورينَ بشهادةِ البكالُوريوس، وأعملوا ما شِتُم من عمل يسعِدُكم من التقاطِ صور حفل  التخرج، وأهزوجةِ الفرحِ وتبادل المباركات ـــ وكلُ ذلك بحدوده ـــ في قبالِ ذلكَ لا تَنْسَوا مسؤولِيتَكُم الشرعيةَ والعقليةَ والوجدانيةَ.

فقدَرُكُم أيُّها الأعزةُ أنَّكُم جَدَّيتُم وتخرجتُم وأُنيطَت بِكُم المسؤوليةُ في زمنٍ حرجٍ مَليءٍ بالإثاراتِ والصراعاتِ والتجاذباتِ الفكريةِ والسياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، وما يَستلزِمُ عليها من تبعاتٍ قِيَميةٍ وأخلاقيةٍ، كلُّ ذلكَ وسَطَ تسابقٍ سريعٍ لحركةِ الزمنِ، وتسابقٍ لتطورِ تكنلُوجِيٍّ وحضاريٍّ لا يقيِّدُهُ لُجامٌ، حتى باتتْ رؤيةُ المستقبلِ ضبابيةً واستشرافُها مقنَّنٌ وقراءةُ حيثياتِها معقدةٌ.

يا قرةَ عينِي قَدَرُكُم وسطَ هذا التزاحمِ العنيفِ أنَّكُم أُثْقِلتُم بحُجَتَينِ: حجيةُ العلمِ وحجيةُ التبليغِ، التي لا مَنَاصَ منهما بحكمِ ما تَعلَّمتُموُهُ من جهةٍ، ولأنَّكُم أهلًا للمسؤوليةِ الملقاةِ عليكُم من جهةٍ أُخرى، فكونُوا كما ينبغِي بكلِّ ما يُحيطُ بِكُم من ظروفٍ زمانيةٍ  ومكانيةٍ في الشارعِ وفي البيتِ وفي دوائرِ الدولةِ وفي المرافقِ الترفيهيةِ، وفي أنفسكُم... لِتُتَرْجمُوا كلَّ ما تعلمتُمُوهُ من علومٍ ومعارفٍ نظريةٍ إلى حاضرٍ عمليٍّ وفعلٍ إجرائِيٍّ، وإلَّا ستكونُونَ ــ والمتحدثُ أيضًا ــ  أوَّلَ الخاسرين وأوَّلَ المحاسبينَ.

فالأيامُ تمضي والعمرُ يطولُ، والحياةُ ستنقضِي، فقد ذهب بعضٌ منَّا ووُلدَ لبعضٍ منَّا آخرونَ، ونحنُ نتسابقُ جميعًا نحوَ ما تبقَّى من أعمارِنا، التي قد تكونُ أقلَ ممَّا مضَى منها. فانظروا في تربةِ الأرضِ وحركتِها الجِيُولوجيةِ التي ستضمُنا جميعًا، وانظرُوا في أنفسِكُم واضطرابِ قِواها بينَ إقبالٍ وإدبارٍ وصدٍّ وردٍّ، وشدٍّ وجذبٍ، عَسى أنْ تكونَ تلكَ التأملاتُ منعطفُا لأنَّ نكونَ كما ينبغي أنْ نكونَ، وإلَّا فلا كينونَةَ لنا بمقتضَى رضا اللهِ تعالى، وهذا ما حدَّدته السنَّةُ الإلهيةُ في قولهِ تعالى  (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)،

فلْنُحاكِي أنفسنَا هلْ وُفِقْنا حقًا في مَسْعانا العلميِّ والمعرفيِّ والسلوكيِّ في هذه المدّةِ المنصرمةِ؟

هل مخاضُها كانَ من الزبدِ أمْ ممَّا يمكثُ في الأرضِ لينفعَ الناسَ؟

 فلا يخفَى عليكُم أحبتِي الطلبةُ أنَّ كلَّ ما تعلمنَاهُ من علومٍ ومعارفٍ وحِراكٍ ذهنيٍّ بينَ معلومٍ ومجهولٍ مبتغاهُ الوقوفُ على الحقيقةِ والعملِ به خدمةَ للدينِ الحنيفِ الذي منهجُهُ منهجُ العقلِ وصَونُ الفكرِ ونَظْمُ السلوكِ وأصلُ القيمِ وأكملُها... خدمةَ للإنسانِ هذا الكائنِ والمخلوق العجيبِ والمعقدِ الذي فضلَهُ اللهُ تعالى على بقيةِ الموجوداتِ فجعلَهُ في أحسنِ تقويمٍ... خدمة ً لوطنِنا الجريحِ الذي عانَى ما عانَى والذي أًثقلَ بطعناتِ القريبِ والبعيدِ

  فلا تدَّخرُوا جهدًا واجتهِدُوا وجاهدُوا في نشرِ الحبِّ والامنِ والأمانِ والاملِ والعدلِ لننتهِي بأنْ يكونَ شعارُ هذه الدفعةِ المباركةِ النهوضَ والبناءَ خدمةً للدينِ والانسانِ والوطنِ.

أقولُ قولِي هذا والسلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.